القيمة الموسيقيّة للتكرار في شعر الصَّاحب بن
عبّاد([1])
د. فرحان علي القضاة
أستاذ
مساعد كلية العلوم والآداب
جامعة العلوم والتكنولوجيا
المقدّمة
للموسيقى
في الشعر أهميّة عظيمة، فهي من أهمّ الأمور التي تميّز الشعر عـن النثر، حتى إنّ الكلام
إذا ما خلا منها لا يسمّى شعراً، وهي في الشعر تتمثّل في الوزن والقافية، إضافة
إلى الإيقاع الداخلي، والتوافق الموسيقيّ بين الكلمات.
ونظراً
لأهميّة الموسيقى في الشعر، فقد حَرَصَ الشعراء على توفيرها في أشعارهم، ولجؤوا من
أجل تحقيق ذلك إلى عدّة وسائل، منها التكرار، وهذا ما فعله الصاحب بن عبّاد، فقد
أكثر في شعره من التكرار المتمثّل في تكرار الحروف، وتكرار المفردات، وتكرار بعض
فنون البديع التي تعتمد على التكرار كالجناس وغيره، ممّا أوجد في أشعاره الإيقاع
الجميل، والأنغام المعبّرة.
والهدف الذي يرمي
إليه كاتب هذا البحث هو بيان ما للتكرار في شعر الصاحب بن عبّاد من الأهمية
الموسيقية، ولهذا جعل دراسته تتناول الأمور التالية:
أ-
مفهوم الموسيقى الشعريّة.
ب- أهمية الموسيقى الشعريّة.
جـ- أقسام الموسيقى الشعريّة.
د- التكرار والموسيقى الشعريّة في شعر
الصاحب بن عبّاد.
ويقوم منهج الباحث في
دراسته هذه على دراسة شعر الصاحب، وملاحظة مواطن التكرار فيه، وما لهذا التكرار من
أثر في إغناء ذلك الشعر بالموسيقى الشعريّة.
أ-
مفهوم الموسيقى الشعريّة:
لقد بحث العلماء في
مفهوم الموسيقى الشعريّة، ولعلّ أبرز ما نجده من ذلك قول الدكتور إبراهيم أنيس:
"وللشعر نواح عدة للجمال. أسرعها إلى نفوسنا ما فيه من جَرْس الألفاظ وانسجام
في توالي المقاطع، وتردّد بعضها بعد قدر معيّن منها، وكل هذا هو ما نسمّيه بموسيقى
الشعر"([2]).
وتذهب إليزابيث درو (Elezabeth Dru) إلى قريب من هذا عندما بَيَّنَتْ أنّ كلمة "موسيقى"
التي تُستعمل في الشعر لا تعني أكثر من حلاوة الجَرْس، لأنّ الجَرْس في الشعر لا
يصوّر شيئاً سوى المعنى([3]).
وبهذا فإنّنا نستطيع القول إنّ الموسيقى الشعريّة تتمثّل في جَـرْس الألفاظ،
وتتابُع مقاطع الكلام، وتواليها على مسافات زمنية متساوية، وفق نظام خاص ونسق
معين، مضافاً إلى ذلك تردّد القوافي وتكرارها، مما يُكسب النص إيقاعاً ذا أثر عظيم
في النفس.
ب-
أهميّة الموسيقى الشعريّة:
الموسيقى
عنصر مهمّ في الشعر، فهي إحدى المقوّمات الفنّيّة الضروريّة له([4])،
وإحدى خصائصه البنيويّة الأساسية التي تميّزه عن غيره([5]).
وهي التي تحمل مضمونه وتحقق غايته من التأثير وإثارة العواطف والانفعالات([6]).
وهكذا "فهي بلا شك أهم وسائل الانتفاع بالأصوات في فنّ الأدب"([7])،
ولذا فقد عدّ بعض الباحثين الموسيقى أهم العناصر الشعريّة([8])،
إذ إنّ "الإيقاع هو قوّة الشعر الأساسية، هو طاقته الأساسية، وهو غير قابل
للتفسير"([9]).
ويرى
بعض النقّاد المحدَثين أنّ "كل عمل فني هو قبل كل شيء سلسلة من الأصوات ينبعث
عنها المعنى... ففي العديد من الأعمال الفنّيّة بما فيها النثر طبعاً تلفت طبقة
الصوت الانتباه، وتؤلّف بذلك جزءاً لا يتجزّأ من التأثير الجماليّ، يصدق هذا على
كثير من النثر المبهرج، وعلى كلّ الشعر، الذي هو بالتعريف تنظيم لنسق من أصوات
اللغة"([10])،
ولذا فإنّه ليس بعجيب أن نجد الدكتور إبراهيم أنيس يقول: "فليس الشعر في
الحقيقة إلاّ كلاماً موسيقياً تنفعل لموسيقاه النفوس، وتتأثر بها القلوب"([11]).
ويرى
كاتبُ هذا البحث أنّ الموسيقى الشعريّة عنصر بالغ الأهمّيّة، بَيْدَ أنّ القول
بأنّ الشعر ليس إلاّ الموسيقى قول مبالغ فيه، إذ إنّ العمل الشعريّ كلٌّ متكامل
بعناصره جميعها من الأفكار والألفاظ والعواطف والخيال والموسيقى، ولا يمكن إغفال
أهمّيّة أيٍّ من هذه العناصر. فلا بدَّ من أن يكون الشعر بالإضافة إلى ما فيـه من
الموسيقى ذا معنى، وأن يكون حسن الألفاظ، تتأجَّج فيه عواطف الشاعر، وتتجلّى قدرته
على التخيّل. فالوزن والموسيقى ليسا كافييْن، ودليلنا على ذلك أنّ كثيراً من
المنظومات في العلوم المختلفة التي نجد فيها الترتيب الموسيقي الموزون ليست من
الشعر في شيء، ثم إنّ استماع المرء لكلام فيه الوزن والمـوسيقى دون المعنى الواضح
قد لا يحمله على الإصغاء والاستمتاع والتأثّر، نظراً لعدم إدراكه فحوى هذا الكلام
ومواطن الجمال فيه.
جـ-
أقسام الموسيقى الشعرية:
تقسم
الموسيقى الشعريّة إلى قسمين، هما الموسيقى الخارجيّة، والموسيقى الداخليّة.
أولاً:
الموسيقى الخارجيّة:
وهي
الموسيقى التي تتمثّل في الوزن والقافية([12])،
فهي موسيقى العَروض، أي البحور المعروفة التي تُضبَط بالعَروض([13]).
والوزن والقافية
عنصران أساسيّان في القصيدة العربيّة، فالوزن "أعظم أركان حدّ الشعر
وأَوْلاها به خصوصيّة، وهو مشتمل على القافية، وجالب لها ضرورة"([14])،
وللوزن إيقاع يطرب الفهم لصوابه، وما يرد عليه من حسن تركيبه واعتدال أجزائه([15])،
والوزن هو الفارق الأكبر بين الشعر والنثر، وبدونه تَنْحطّ لغة الشعر ويهبط
مستواها بشكل تدريجي إلى ما ليس لغة شعر([16]).
وهكذا فإنّ الباحثين متفقون - في الغالب - على إثبات الوزن للشعر([17]).
أمّا القافية فهي
تحدَّد بأنّها "تمتد من آخر حرف متلَفَّظ به من البيت إلى الحرف المتحرّك
الذي يسبق أقرب حرف ساكن"([18])،
ولكنّ الحرف الأخير المتلَفَّظَ به هو ما يشكّل العنصر الأساسيّ للقافية، لأنّه هو
الذي ينهض بالثقل الأساسيّ لوحدتها الصوتيّة، حتى يؤخذ غالباً على أنّه هو القافية([19])،
وهي ليست عقبة أمام الشعراء تحدّ من قدرتهم على الإبداع والإفاضة الشعوريّة([20])،
وإنّما هي أسهل شيء في النظم، وهي مهمّة موسيقيّاً، لأنّها تعطي السامع الصوت المنسّق
الذي تتوقّعه أذناه([21])،
لأنّها نقرة صوتيّة متكرّرة تؤدي إلى التئام الشعر وترابُطه، ولولاها لبقي الشعر
مسيّباً ومندفعاً بلا نظام([22]).
ويلخّص الدكتور عزّ
الدين إسماعيل أهمية الوزن والقافية بقوله: "الوزن والقافية - بعيداً عن أيّ مذهب جماليّ خاصّ- هما عصب
الشكل الشعريّ، هما الصفة الخاصّة التي قلنا إنّه لا بدّ من توافرها حتى يكون
الكلام المشكَّل أمامنا شعراً، وليس مجرّد كلام... فالشعر كائناً ما كان مذهبنا
الجمالي لا بدّ أن يتوفّر على الوزن والقافية"([23]).
وهكذا يتبيّن لنا أنّ
الوزن والقافية ركنان أساسيّان للشعر، فلا يسمَّى الكلام الذي يخلو منهما شعراً.
فالوزن يوجد في نفس القارئ أو السامع اللذة في التذوّق، ممّا يزيد أثر
الشعر في النفس، فينال به الشاعر الإعجاب والتقدير. وأمّا القافية فهي عظيمة
الأهمية أيضاً، إذ إنّها تعدّ ضابطاً لأنغام البيت الشعري، فهي تمثّل قرار البيت
أو نهايته بموسيقاه التي لا تكتمل دونها، فتكرارها يزيد في وحدة النغم الموسيقي،
كما أنّها تُعَدُّ علامة بارزة موضّحة لنهاية البيت الشعريّ، إضافة إلى ما تشتمل
عليه من المعاني والدلالات.
ثانياً:
الموسيقى الداخليّة:
يمكننا أن نعرّف
الموسيقى الداخليّة بأنّها "هذا الانسجام الصوتيّ الداخليّ الذي ينبع من
التوافق الموسيقيّ بين الكلمات ودلالاتها حيناً، أو بين الكلمات بعضها وبعض حيناً
آخر"([24]).
وهذه الموسيقى هي "توافق صوتيّ بين مجموعة من الحركات والسكنات يؤدي وظيفة
سمعيّة، ويؤثِّر فيمن يستجيب له ذوقيّا، وهذا التوافق قد ترتضيه أذن دون أخرى،
فيبقى إيقاعاً ليس غير"([25])،
أو هي "أيّ ترجيع منظّم في حروف الكلمات داخل البيت الواحد أو الأبيات، لا
يهمّنا أن تكون مواضع الترجيع متقاربة أو متباعدة، وإنّما يهمّنا أن تكون متناغمة
وخاضعة لتنسيق منظّم"([26])،
وهذا يعني أنّ الإيقاع الداخليّ "يتمثّل في الأصوات الداخليّة التي لا تعتمد
على التفعيلات العروضيّة. ولا شكّ أنّ في ذلك مشقّة أكبر من مشقّة توفير الوزن
العروضيّ"([27]).
والموسيقى الداخلية
"تنشأ من انسجام الحروف أولاً واتّساق الألفاظ ثانياً"([28]).
وهي ترتبط بالتأثيرات العاطفيّة للشاعر، وذلك لأنّ للجانب الصوتيّ أثراً واضحاً في
الكشف عن أحاسيس الشاعر وانفعالاته ومشاعره، على أنّ ذلك لا يعني اقتطاع اللفظ
بمفرده لاستخراج الدلالة في الشعر، فتلك الدلالة تنشـأ "من تلاقي بعض المقاطع
والحروف في السياق كلّه، أو في العبارة الواحدة، عندئذ يمكن للأصوات أن تُشيع في
النفس إحساساً عاطفياً معيّناً، فليس هناك مقاطعُ أو حروفٌ يمكن أن تتّصف في ذاتها
بإحساس الحزن أو الفرح، وإنّما الذي يُحَدّد العلاقةَ بين أصوات المقاطع والحروف
وبين إحساس معيّن هو النغم الناشئ من جُملةٍ كاملة. ذلك أنّ الانفعال في داخل أيّ
عمل أدبي لا يمكن تحقيقه من لفظة مفردة، إنّه يتحقق من تداخل الكلمات صوتاً
وإحساساً"([29]).
فالموسيقى الداخليّة لا تتحقّق من خلال اللفظ المفرد، وإنّما من خلال وروده في
سياق متكامل.
ومّما يدلّ على
أهمّيّة الموسيقى الداخليّة أنّها ميدان للمفاضلة بين الشعراء وسَبْق بعضهم بعضاً،
لأنّها موسيقى خفيّة، تدلّ على قدرة الشاعر وتفرّده([30]).
وتَجدُر الإشارةُ إلى
أنّه لا يُفْصَلُ في الشعر بين مهمّة الموسيقى الداخليّة ومهمة الموسيقى
الخارجيّة، فهما ملتحمتان، وتنزعان نحو هدف واحد، وهذا أَمْر طَبَعيّ " في
الشعر، حيث يخدم الإيقاع وتوافق الأصوات والقافية غاية واحدة، هي فتح أبواب الكلمة
ونوافذها على مِصْرَاعَيْها، وإدخالُ القارئ في أعماقها الشعريّة"([31])،
فالموسيقى الداخليّة والموسيقى الخارجيّة تتضافران على خلق جوّ موسيقيّ يواكب
القصيدة العربيّة ويعبّر عن روحها([32]).
د-
التكرار والموسيقى الشعريّة في شعر الصاحب:
يُعدّ التكرار أَحَدَ
المنابع التي تنبع منها الموسيقى الشعريّة الداخليّة([33]).
ونقصد بالتكرار هنا:
أ- تكرار
الحروف في الكلمة أو الكلمات.
ب- إعادة اللفظ، وهذا يشمل شيئين، هما:
الأول"
:"تكرير كلمة فأكثر باللفظ والمعنى لنكتة"([34]).
الثاني: بعض فنون علم
البديع التي تعتمد على التكرار([35])،
كالجناس، وَرَدِّ العجز على الصدر([36])...
إلخ.
ويلعب التكرار دوراً
مهمّاً في بعث الموسيقى الداخليّة، وهو موائم للفطرة، كما أنّ له وظيفة مزدوجة
الأداء "تحمل مع التوثيق للمعنى، ودفع المساهلة في القصد إليه قيمة صوتيّة
وفنّية تزيد القلب له قبولاً، والوجدان به تعلّقاً"([37])،
ولذا فقد اتُّخذ تكرار البيت أو الأبيات وسيلة لتحقيق الموسيقى، التي هي بلا شك
"أقوى وسائل الإيحاء، وأقربُ إلى الدلالات اللغوية النفسيّة في سيولة
أنغامها"([38]).
ويُقْسَم التكرار في
شعر الصاحب إلى قسمين، هما: تكرار الحروف، وتكرار الكلمة الواحدة أو الكلمات.
أولاً:
تكرارُ الحروف:
يلعب تكرارُ الحروفِ
دوراً عظيماً في الموسيقى اللفظيّة، فقد تشترك الكلمات في حرف واحد أو أكثر، ويكون
لهذا الاشتراك فائدة موسيقيّة عظيمة، وقيمة نغميّة جليلة تؤدي إلى زيادة ربط
الأداء بالمضمون الشعريّ"([39])،
إذ إنّ "لأصوات الحروف المكرّرة مجريان، ينبع أحدهما من رويّ القافية ويصبّ
فيه، حيـث يَفْرِضُ هذا الحرفُ هيمنة على سائر تشكيل البيت، كأن يكون أساساً
لبنائه الصوتيّ. أمّا المجرى الآخر، فينبع من قاع البيت أو من قراره... كأن يهيمن
حرف قويّ ذو صوت حَلْقيّ مجهور كالعين، أو حرف ذو صوت حَلْقيّ مهمـوس كالحاء، أو
حرف ذو صوت رنّان كالنون، أو حرف عالي الصفير حادّ الجرس، كالسين أو الصاد، فإنّ
التشكيل يصطبغ بصبغته، وتصبح خصوصية الصوت أساساً لبنائه الصوتيّ، وهذا ما يمثّل
قاع البيت الصوتيّ، أو قراره"([40]).
فمن المجرى الأوّلِ قولُ الصاحب في آل البيت الكرام من قصيدة([41]):
همْ أكَّدُوا أمرَ
الدَّعيْـ
فَسَطا على رُوحِ الحُسَيْـ صَرَعوهُمُ قَتَلُوهُمُ يا دَمْعُ حيَّ على انْسِفَا في أهلِ حيَّ على الصلا يَحمي يزيدُ نِسَاءَهُ وبناتُ أحمدَ قَدْ كُشِفْـ ليتَ النوائحَ ما سَكَتْـ |
نلاحظ
- من هذه الأبيات - أنّ الصاحب نظم قصيدته على رويّ الحاء، وهو حرف مهموس، وقد
كرّر هذا الحرف بِنِسَبٍ متفاوتة في أبياته، فقد أورده مرّة واحدة في البيت الأول،
وأورده مرتين في صدر البيت الثاني، ومرّة واحدة في عجزه، ولم يورده في صدر البيت
الثالث، بينما كرّره ثلاث مرّات في عجزه، وأورده مرة واحدة في صدر البيت الرابع،
ومرّتين في عجزه، وكذلك فعل في البيت الخامس، ثم ساوى بين الصدر والعجز في البيت
السادس، حيث أورده مرّة في كل منهما، وقد أورده مرّة واحدة في صدر كلّ من البيتين
السابع والثامن، ومرّتين في عجز كلٍّ منهما.
ولا يخفى ما أشَاعَه
تكرار هذا الحرف "الحاء" من الموسيقى، وكأنّ الشاعر يشير إلى ما يَملأُ نفسه من مشاعر
الألم والحزن لما جرى لآل البيت الكرام، ومنهم الحسين بن عليِّ بنُ أبي طالب، وكأنّه
يصوّت من أعماق نفسه "آح"، كَرَدِّ فِعْلٍ لما لَحِقَ بآل البيـت من الظلم
والجَوْر. وقد جاء هذا التصوير من اقتران "الحاء" بصوت المدّ
"الألف"، وكذلك فإنّنا نجد هذا التناغم الصّوتيَّ المنبعثَ عن تكرارِ
الكلماتِ وتلاؤمها، في "النياحة" و "النواح"، و
"نَحَرُوهُم" و"نَحْر".
ويقول
الصاحب([44]):
حَدَقُ الحِسَانِ
رَمَيْنَنِي بِتَمَلْمُلِ
غَادَرْنَني وإلى التفَزُّعِ مَفْزَعي لو أنَّ ما ألقاهُ حُمِّلَ يَذْبُلاً ما زِلْتُ أرْعَى الليلَ رَعْيَ مُوَكَّلٍ فَحَسِبْتُها زَهَراتِ رَوْضٍ ضَاحِكٍ يَنْقَضُّ لامِعُها فَتَحْسبُ كاتِباً |
ِ تُشكّل هذه الأبيات
مقطوعةً موسيقيّةً متدفِّقة الألحانِ والأنغام. فقد بنى الشاعر القصيدةَ على رويّ
اللام المكسورة، ولعلّ في اختياره حرفَ الرويِّ هذا تعبيراً عن مدى انكساره،
وعِظَم ما لاقاه من الحِسان. ثم استخدمَ هذا الحرفَ، وبثّه خلال أبياته، حتى أصبح
مهيمناً على سائر الأبيات تقريباً، بحيث لا تخفى قيمته الصوتيّة.
وقد وزّعَ الصاحبُ
هذا الحرف "اللام" في أبياتِه توزيعاً موسيقياً. فقد ردَّده سبع مرات في
البيت الأول، ثلاثاً في الصدر، وأربعاً في العجز، وردّده ستّ مرّات في كلٍّ من
الأبيات الثاني والثالث والرابع.
وممّا يزيد في موسيقى
الأبيات تتابُع اللام والميم في كلمة "تَمَلْمُل"، حتّى إنّه ليُصوّر
لنا الحركة، ويَنقلها مجسّمة أمامنا، وقد زاد هذا في تعميق الدلالة الصوتيّة، حيث
إنّ هذا التكرار يُحدث تموّجات وتكسّرات واهتزازات نغميّةً، لا تنتهي آثارُها إلاّ
بنهاية البيت. وقد بدأ الصاحب بالفعل "رَمَيْنَني"، وهو فِعْلٌ ماضٍٍ،
ولكنّ أَثَرَه لم ينته، وإنّما فجّره الصاحب وأدامه بهذا التكرار تَمَلْمُل للدلالة
على أنّ أثره حاضر مستمرّ، فَحَدَق الحسان رميْنَه ومضَيْنَ، ولكنّ الأثر الذي
أحدثنه حاضر مستمر حيث بقي الصاحب أَرِقاً متململاً لا يعرف الراحة أبداً.
وقد
زاد في موسيقى الأبيات استعمال "النون" مع "الميم" في البيتين
الأول والثاني. والموسيقى -في هذه الأبيات- حزينة، وهي ناجمة عن بعض المدّات
الطويلة "الألف"، و "الياء"، في كلمات "الحسان" و
"الرعيل" و "غادرنني" و"مفزعي" و
"تركنني" و "العويل" و "معوّلي" و
"ألقاه"، وهذا يدلّنا على أنّ أَثَر الموسيقى اللفظيّة لا يقتصر على الجانب
النغميّ فقط، وإنّما يتعدّى ذلك إلى الجانب المعنوي، فهي تُسهم في نقل المعنى
بصورة دقيقة، فتحقّقُ "تأثيراً عقلياً وجمـالياً ونفسياً ممتعاً، فيبعث
السرور في النفس، وينقل الفكرة إلى العقل، ويزيـن الشعر، ويخلق جوّاً من حالة
التأمل الخيالي، فَيُسَهِّل على المرء أن يُحسّ بمعاني الشعر، وكأنها تتحرك أمام
ناظريه في جوّ من الجلال الشعريّ، والصقل اللطيف لمعانيه، فَتَلِجُ القلب دون
عناء، بل ربّما يأخذ المتلقّي بترديد ما سمعه أو قرأه في حالات نفسيّة أو مواقفَ
مشابهة ومتّصلة بالمعنى"([47]).
وقد ركّز الشاعر في أبياته هذه على إعادة الحروف ذاتها، لتكون مخارج الحروف أقرب
إلى السلاسة والعذوبة.
ويقول
الصاحب أيضاً([48]):
فأعطيتُ صرفَ
الليالي عِناني
فعينايَ عَيْنَانِ نضَّاختانِ بِهِ قَد غَفَرْتُ ذُنُوبَ الزَّمانِ وأنَّى ونَعْلاهُما الفَرقَدَانِ ([49]) |
عَناني من الهَمِّ
ما قَدْ عَناني
ألفْتُ الدمُوعَ وعفتُ الهجوع لِسُقْمٍ ألحَّ على سيِّدٍ أحاطَ برِجْلَيْهِ جَوْراً عليْه |
يُلحّ الصاحب في هذه الأبيات على تكرار
حرف "النون"،
فيورده سبع مرات في البيت الأول، وخمس مرات في البيت الثاني، ومرتين في الثالث،
وثلاث مرات في الرابع، مما أكسب الأبيات إيقاعاً موسيقياً، حيث إنّ حرف
"النـون" يعدّ من أكثر الحروف ارتباطاً بالصوت، وهو في أكثر المفردات
اللغوية ذو أثر عظيم في تعديل الصوت وتلطيفه([50]).
ومن
المجرى الثاني للموسيقى الداخليّة في شعر الصاحب، وهو المجرى الذي ينبع من قاع
البيت أو قراره قول الصاحب في أبي الفضل بن العميد([51])
يذكر نِقْرساً أصاب يمناه([52]):
كُسُوفُ المعالي لا
كُسِفْنَ ولا بِنّا
عَرَفْنَا فَخُذْ معنَى تأَلُّمِِهِ مِنَّا |
سلامَتُه شَمْسُ
المعالي وسُقْمُهُ
ولمْ يأتِهِ وِرْدُ السِّقَامِ لغَيْر ما |
فقد
حشد في البيت الأول حرف السين بإيراده خمس مرات، وانتهى في البيت الثاني إلى
إيراده مرة واحدة، فنبعت الموسيقى الداخليّة هنا من قرار البيت.
ومن
ذلك أيضاً قول الصاحب في الخط واللفظ([53]):
مِنْ حُلَّةٍ هُوَ
أمْ ألبَسْتَهُ حُلَلا
أم قَدْ صَبَبْتَ على أفواهِنا عَسَلا |
باللهِ قُلْ لي
أقِرْطاسٌ تَخُطُّ بهِ
باللهِ لفظُكَ هذا سَالَ منْ عَسَلٍ |
فقد
شاع - في هذين البيتين- حرفُ السين، وهو حرف عالي الصفير، حادُّ الجَرْس، حيث إنّ
التشكيل الموسيقيّ قد اصطبغ بصبغته، وهو حرف ينبئ بالموسيقى وتناغم الأصداء، مما
يضفي على هذين البيتين جمالاً موسيقياً وصوتياً. ومما زاد في موسيقى البيتين
التكرار في "عسل" و "عسلا"، و"حُلَّة" و
"حللا".
ولم يُوفَّقِ الصاحبُ
في بعض استعمالاته بإحداث الأثر الموسيقيّ المطلوب، ومن ذلك قوله في هجاء رجل اسمه
قابوس([54]):
ونَجْمُهُ في
السماءِ مَنْحوسُ
يكون في آخر اسمه بُوسُ |
قَد قَبَسَ
القَابِسَاتِ قَابُوسُ
وكيف يُرجى الفلاحُ من رَجُل |
فقد
حشد الصاحب في البيت الأول حرف القاف، مورداً إيّاه أربع مرّات، وحرف السين،
مورداً إيّاه خمس مرات، وكأنّ همّه الأكبر كان فقط تكرار هذين الحرفين وحشدهما في
الشطر الأول من البيت، ولا يخفى على القارئ ما في النطق بذلك الشطر من الثّقل.
وبالإضافة إلى ما
ذُكِر من استعمال الصاحب الحروف التي ينبع أَحدُ مجريي أصواتها من رويّ القافية،
وينبع مجراها الآخر من قاع البيت أو قراره، فقد لجأ الصاحب - من أجل توفير
الموسيقى الداخليّة في شعره - إلى عدّة ألوان من التكرار الحرفيّ، هي:
الأول:
إيرادُ الرباعيِّ الذي جاء من الثنائيِّ المكرَّر:
لقد استعمل الصاحب في
أشعاره الرباعي الذي جاء من الثنائيِّ المكرَّر. وتمتلك هذه المفردات لدى الشاعر
رنيناً موسيقياً جاءها من تكرار المقطع([55])،
ولعلّ من أسباب عناية الصاحب بهذا اللون من التكرار إلحاحه على طلب الموسيقى
الداخليّة للمفردات، ومن ذلك قوله([56]):
بأنّ مضيعَ
الأكرمين مضَيَّعُ
وكانَ بعيداً أنْ يُزعزَعَ لَعْلَعُ ([57]) |
سَيَشهَدُ أبناءُ
المفاخِرِ كُلُّهُم
يُزعزعُكَ الواشُونَ عَن حَوْمَةِ العُلَى |
فقد جاء الصاحب - في البيت الثاني-
بكلمتي "يُزَعْزِعُك" و"يُزَعْزَعَ"، وهما مضارعا
"زَعْزَعَ" و "زُعْزِعَ"، حيث حرفا الزاي والعين مكرَّران،
وقد أكسب هذا التكرار البيت قيمة صوتيّةً وتناغماً موسيقياً جميلاً.
الثاني:
استعمال الحروف التي تدلّ على القوّة:
لقد عَمَدَ الصاحب في
بعض أشعاره إلى بعث الموسيقى الصَّاخبة، والنغمات القوية المجلجلة التي تقرع آذان
السامعين كالطرقات القوية المتتالية، وذلك باستعماله الحروف التي تدلّ على القوة
وتوحي بالشدّة، ومن ذلك قوله في عليّ بن أبي طالب([58]):
ألا يُقَدَّمُ
والفَضائِلُ شُهَّدٌ
وتُراق مهجتُهُ ويُقتَلُ نَسْلُهُ أجْرى الشقِيُّ دَمَ الوصيِّ فَشَقَّقَتْ وكَذَا الدعيُّ ابنُ البَغِيِّ عدا على |
يعتمد
الصاحب في هذه الأبيات على تكرار حرف القاف، وهو حرف شديد الوقع([61])،
وقد ذكره في البيت الأول ثلاث مرات، مرة في الصدر، ومرتين في العجز، وفعل ذلك في
البيت الثاني، إذ كرّر "القاف" ثلاث مرّات أيضاً، إلاّ أنّه يعكس الوضع،
فيجعله مرّتين في الصدر ومرة واحدة في العجز، ويردّده في البيت الثالث أربع مرات
في الصدر فقط، وكأنه يشير بهذا الحشد في صدر البيت إلى موقف صعب، وجريمة بشعة،
تتمثل في ما فعله ذلك الخارجي من قتله أمير المؤمنين علياً كرّم الله وجهه. وقد
قرن الصاحب هذا الحرف "القاف" بحرف العين. ومن المعلوم أنّ الإكثار من
الحروف الحَلْقيّة كالعين والقاف يناسب جوَّ القوة والحرب([62])،
ولذا فقد كرر الصاحب حرف العين في البيتين الأول والأخير.
ومما يزيدُ في موسيقى
هذه الأبيات، التضعيفُ، كما في "يُقدّم" و "شُهَّد"، وتضعيف
الياء، والتشاكل الصوتيّ بين كلمتي "الشقيّ" و "الوصيّ" في
البيت الثـالث، وكذلك الكلمات المضعّفة الياء في البيت الأخير، المتشاكلة صوتاً
ونغمة، وهي "الدعيّ، البغيّ، النبيّ"، ممّا أكسبها جوّاً موسيقياً
متوازناً، يُشْعِرنا بِعِظَم هذه الأحداث، وبشاعة ما لحق بآل البيت الكرام. وبهذا
"تكون الموسيقى هي السـحر في الشعر، فهي تحدث تغيّراً في أسلوب الوجدان، وكل
نغمة تصلنا منها تؤثّر في إدراكنا، وترتفع معها نغمات عاطفية في نفوسنا"([63]).
ويقول
الصاحب في عليّ أيضاً([64]):
عَنْ أنْ تُقاسَ
بقَدْرِهِ الأَندادُ
في يوم بَدْرٍ والجِهادُ جِهادُ فيمَنْ يَهُمُّ بِخَطْفِهِ ويَكادُ إسْنادُ مَجْدٍ ليْسَ فيهِ سِنَادُ ([65]) ـدُ لِهَوْلِهِ وتَهاوَتِ الأعْضادُ([66]) حُسِمَتْ بها الأدواءُ وهي تلادُ ـعُزَّى فجادُوا بالحياةِ وبادوا مِنْ فوق أكنافِ الزمانِ نِجادُ فكأنّهم لحروبهمْ أولادُ أقْعَى وقالَ الموتُ والمرصادُ |
مَنْ بأسُهُ لا
بأسَ إنْ عَظّمْتَهُ
عَجبَتْ ملائكةُ السماءِ لحَرْبِهِ إذْ شاهَدَتْهُ والمنونُ تُطِيعُهُ فَحكاهُ عَنْهُمْ جُبْرئيلُ لأحْمَدٍ صَرَعَ الوليدَ بموْقِفٍ شابَ الوليـ وأذاقَ عتبةَ بالحسامِ عُقوبةً وعدا على عشرينَ يعتزَّون بالـ مِنْ كُلِّ أبْلَجَ مِنْ قُريشٍ سَيْفُهُ أحْلافُ حَرْبٍ أُرْضِعُوا أخْلافَها قَوْمٌ إذا رَمَقَ الزّمانُ مَكانَهُمْ |
يكرّر
الصاحب - في أبياته هذه - بعضَ الحروفِ ذات الوقع الشديد، كالهمزة، والقاف، ممّا
أكسب الأبيات موسيقى قوية صاخبة تتناسب وعنف هذا الموقف الحربيّ، حيث يصوّر لنا
الصاحب ما فعله عليّ كرّم الله وجهه في معركة بدر. وقد لطّف من عنف هذه الموسيقى
ورود بعض حروف الصفير وهي "السين" و "الصاد" و "الزاي"،
وهي حروف رقيقة تكرّرت في الأبيات، حيث تردّدت في الأبيات الأول، والرابع،
والسـادس، والسابع، والعاشر. ومما نجده في الأبيات أيضاً تجمّع حرف الجيم في البيت
الثاني، وتكراره في كل من البيتين الرابع والثامن، وهو تكرار أكسب الأبيات
الموسيقى وزاد في إيقاعها الداخليّ.
ويقول
الصاحب من القصيدة نفسها([67]):
أورَدْتَهُ إذْ أعْوَز الإيرادُ
والشّرُّ مِنْهُ مُبْدَأٌ ومُعَادُ في حَدّهِ الإشْقاءُ والإسْعادُ |
واذكُرْ - لَعَمْرُ الله - عَمْراً([68]) عندما
جَبُنَ الجميعُ ولا جُمُوعَ تطيقُهُ بَدَّدْتَ شَمْلَ الكافرينَ بِصارمٍ |
نلاحظ
أنَّ حرفَ الدال قد تكرر في هذين البيتين، وهو من الأصوات الشديدة الانفجارية،
فتولّدت عنه موسيقى صاخبة مجلجلة تخدم الصورة والمعنى اللذين يعبّر عنهما الصاحب،
وهما يتمثّلان في قتْل عليٍّ عَمْراً وتفريقه جموع الكافرين بسيفه الصارم، وكأننا
في البيت الثالث ننظر إلى عليّ وهو يصول ويجول متحركاً يميناً ويساراً بقوة وشدة،
وقد فرّق جموع الكافرين، ففرّوا أمامه طالبين النجاة بأرواحهم.
الثالث:
استعمال حروف المدّ:
لقد لجأ الصاحب - من
أجل توفير الموسيقى في أشعاره - إلى استعمال حروف المدّ بشكل كبير، وهي
"الألف، والواو، والياء"، وتكرار هذه الحروف يهب السامع قيمة صوتيّة
عظيمة، عندما تناسبها حركة ما قبلها، فتتمخّض لانطلاق الصوت مسافة أكبر، ويلمس
السامع لها تطريباً تطيب به النفس، ويأنس إليه السمع والوجدان([69]).
وتَنبُع الأهمّيّة
الموسيقيّة لهذه الحروف من كونها هي الحروف "التي تفسح المجال لتنوّع النغمة
الموسيقيّة للكلمة الواحدة أو الجملة الواحدة لسعة إمكاناتها الصوتيّة
ومرونتها"([70]).
فأصوات المدّ إذن أصوات موسيقيّة منتظمة قابلة للقياس، ولها القدرة على الاستمرار،
ويرجع ذلك إلى أنّ الهواء عند مروره أثناء النطق بها يمرّ حراً من غير أن يكون
هناك احتكاك أو إعاقة([71])،
ولعلّ ما زاد في قدرة هذه الأصوات على قوّة الإسماع والانتظام الموسيقيّ أنّها
أصوات مجهورة بشكل عام"([72]).
يقول
الصاحب لما كنّى المنجّمون عما يعرض له في سنة موته([73]):
وخالِقَ النُجومِ
والأحكامِ
لا المشتري أرجوه للإنعامِ يا ربِّ فاحفظني من الأسقامِ وهُجْنَةَ الأوزارِ والآثامِ |
يا مالِكَ الأرواحِ
والأجسامِ
مدَبِّر الضِّياءِ والظّلام والعِلْمُ عندَ الملِكِ العَلاّمِ وَوَقِّني حوادثَ الأيامِ |
يتبيّن
لنا - في أبيات الصاحب هذه- سيطرةُ حروف المدّ، وهي "الألف" و
"الواو" و "الياء"، وبخاصّة الألف، التي هي أخفُّ هذه الحروف،
وتُعَدُّ حروف المدّ أخفَّ الحروفِ جميعها، لأنّها أوسعُها مَخْرجاً([74]).
وقد أكسبت حروف المدّ هذه الأبيات نغمـة موسيقيّة عذبة لتردّدها ومدّها. والصاحب
يكثر من هذه المدود لما لها من صلة نفسية به، إذ إنها تمنحه راحة لقلبه بمدّ
نَفَسِه، وراحة لأذنه بطيب النغم، ولأنها تعطي الشاعر من تجاوب النظم مالا يعطيه
توالي الحروف والحركات. وهذه المدّات في الأبيات هي للتطريب والتنغيم، وهي تناسب
آلام الشاعر وأحزانه التي يشعر بها بسبب ما ذكره المنجّمون، إذ إنَّ "المدود
للتطريب هي بالشعر ألصق، لأنّ الشعر في الأعم وبخاصة العربي يمثّل غناء النفس،
أشواقها وآلامها وأفراحها التي تناسبها مدّات الشّجا والأسى والحنين، والأنين
والسّراء والضراء([75])،
ولهذه الحروف فيما نرى دلالة فكرية معنوية إضافة إلي القيمة الموسيقيّة، فقوله:
"مالك" يدلّ على هيمنة الله عزّ وجل، وامتداد ملكه،
و"الأرواح" و "الأجسام" يدلّ مدُّهما على إبراز الشاعر هذه
الأشياء والتركيز عليها، فالله تعالى مالك للأرواح والأجسام متحكّم بها، وخالق
للنجوم مسيّر لها، متحكّم بالمنجمين، وهو المدبّر للكون بضيائه وظلامه. ويتابع
الصاحب تكرار المدود، فيدعو الله عز وجلّ أن يحفظه من الأسقام، وأن يجنّبه المصائب
وحوادث الأيام، والأوزار والآثام. ويتّضح لنا وجود غلاف من الحزن والألم يغلّف
الأبيات، كما يتبيّن لنا أيضاً إيمان الشاعر بالله سبحانه وتعالى، واعتماده عليه،
وهذا ينسجم مع ما نجده في العصر الحديث من أنّ الشعراء "آمنوا بأنّ الموسيقى
الشعريّة تعبيريّة إيحائيّة، تضفي على الكلمات أقصى ما يستطاع التعبير عنه من
معنى، وأيقنوا بأنّ الكلمات أصواتٌ، ودلالةُ الأصوات موسيقيّة إيحائية قبل أن تكون
تعبيريّةً وصفيّةً"([76]).
ويقول
الصاحب في آل البيت الكرام([77]):
وجَدْتُ في القلْبِ
أَحْزاناً أَفانينا
تَغِِضْ وجَدِّدْ ثَناءً للوَصِيّينا إلاّ بِحُسْنِ وَلاءِ الطالبيّينا مَحَبَّةِ السَّادَةِ الغُرِّ الميَامِينا إذا الخُطُوبُ أسَاءَتْ رَأْيَها فِينا سَادَ الأنامَ وساسَ الهاشميّينا لِمَدْحِ مَوْلى يَرى تفضيلكُم دِينا ([78]) يَرُدُّ ما قُلْتُهُ يُقْمَعْ بَراهِينا |
إذا تَراخَى مديحي
آلَ يسينا
يا طبْعُ فِضْ بمديح الطاهرين ولا فَلَسْتُ أطْلُبُ رُوحَ الخيْر مُجتَمِعاً الحَمْدُ للّهِ أنْ هُدِيتُ إلى حُبُّ النبيِّ وأهْلِ البَيْتِ مُعْتَمَدِي أيا ابنَ عَمِّ رَسول اللهِ أفْضَلَ مَنْ يا مِدْرَةَ الدينِ يا فَرْدَ اليَقينِ أصِخْ أنْتَ الإمامُ ومنظورُ الأنام فَمَنْ |
هذه
الأبيات متناغمةٌ موسيقياً، وذلك بسبب تكرار حروف المدّ الثلاثة
"الألف"، و"الواو"، و"الياء" التي أخذت أصداؤها
تتجاوب في الأبيات، وقد تفرّقت فيها ووزّعت على أبعاد دقيقة التصويت، وذات تناسب
واضح جليّ، مع تدفّق وجدان الشاعر في التعبير عن مدحه لآل البيت وفخره واعتزازه
بهم، وبخاصة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه. وهذا التكرار لأصوات
المدّ أكسب الأبيات موسيقى حزينة، مما يدلّنا على أنّ الموسيقى اللفظية وسيلة مهمة
لنقل المشاعر والأحاسيس والانفعالات بشكل دقيق([79]).
ومما
زاد في موسيقى هذه الأبيات - بالإضافة إلى التوزيع الدقيق للمدود فيها- اشتمال كلّ
قافية من القوافي على مدّين اثنين، هما: "الياء" و "الألف"،
حيث جاءت الألف للإطلاق، وهذا ما أكسب الأبيات موسيقى حزينة تنطق بالأسى واللوعة،
فاختتام الأبيات بهذه الألف المتصلة بالنون وقبلها الياء أكسبها نغمة موسيقيّة،
وزاد في الترنّم فيها، وهذا أمر معروف لدى الباحثين. يقول جلال الدين السيوطي([80])
متحدّثا عن فواصل آيات القرآن الكريم "كثر في القرآن الكريم خَتْمُ الفواصل
بحروف المدّ واللين وإلحاق النون، وحِكْمتُه وجود التمكّن مع التطريب بذلك كما قال
سيبويه([81]):
"إنهم إذا ترنّموا يُلحقون الألف والياء والنون، لأنّهم أرادوا مدّ الصوت،
ويتركون ذلك إذا لم يترنّموا"([82]).
ولا يخفى أنّ استعمال الصاحب ألف الإطلاق في النهاية له صلة وثيقة بالمعنى، إذ
يعبّر الصاحب بذلك عن استمرار أحزانه وامتدادها، كما أنّ استعمال صوت النون
وتكراره يعني "الغُنَّة والغمّة، والأنّة والأنين"([83])،
وهو تكرار يضفي على البيت موسيقى هادئة([84])،
ولا غرابة في نقل الموسيقى للمعاني والأفكار إذ تنساب الموسيقى في أبيات القصيدة،
فتُحدِث أنغاماً تُسهم في الكشف أو التعبير عن الجوّ النفسي للشاعر، والتجربة
الشعوريّة، وما تنطوي عليه من عواطف وانفعالات وأفكار تختلج في نفس الشاعر، وتعمل
على نقلها وإيصالها إلى الآخرين، فتُحدث فيهم انفعالاً يختلف قوة وضعفاً حسب استجابتهم
لها، وبتنوّع العواطف والمعاني تتنوّع الموسيقى"([85]).
الرابع:
استعمال بعض حروف الزيادة:
يستخدم الصاحب إضافة
إلى حروف المدّ بعض حروف الزيادة المجموعة في قولنا "مَنْ سألته"، وهي حروف تقارب
حروف المدّ في إفساح المجال لتنوّع النغمة الموسيقيّة للكلمة الواحدة أو الجملة
الواحدة، وذلك بسبب مرونتها وسعة إمكاناتها الصوتيّة وخصائصها الصوتيّة المواتية([86])،
ومن ذلك قول الصاحب في عليّ كرّم الله وجهه([87]):
قَرْمَ القُرومِ
يَفوقُ كلَّ البُزَّلِ([88])
تَعْدُوهُ نُكْتَةُ واضحٍ أو مُشْكِلِ لتَهالكوا بِتَعَسُّفٍ وتَجَهُّلِ سَأَلُوهُ مُدَّرعينَ ثَوْبَ تَذَلُّلِ لو أَثْبَتَ النُّصَّابُ قَوْلَ المرسَلِ([89]) في الوقْتِ فرَّاراً فَهَلْ مِنْ معْدلِ تَغْلي على الأهلينَ غَلْيَ المِرْجَلِ آل النبيِّ على الخُطوبِ النُّزَّلِ |
وإذا انثنيتُ إلى
العلوم رَأيتُهُ
ويقومُ بالتنزيلِ والتأويل لا لولا فتاويهِ التي نَجّتْهُمُ لم يسْأَلِ الأقوامَ عنْ أمْرٍ وَكَمْ كان الرسولُ مدينةً هو بابُها قَدْ كانَ كرّاراً فَسُمِّيَ غَيْرُهُ هذي صُدورهُمُ لبُغْضِ المصطفَى نَصَبَتْ حُقُودُهُم حُروباً أدرجَتْ |
فقد
كرّر الصاحب حروف الزيادة، ومن ذلك حرف "النون"، إذ ردّده مرتين في كل
من الأبيات الأول، والثاني، والرابع، والخامس، والسادس، والثامن، وثلاث مرات في كل
من البيتين الخامس والثامن. وكرّر حرف التاء، مردّداً إيّاه مرّتين في البيت
الأول، وأربع مرات في البيت الثاني، وستّ مرات في الثالث، ومرّة في كل من الأبيات
الرابع والخامس والسادس، ومرتين في البيت الأخير. وكرّر حرف الميم بدرجات متفاوتة
بلغت في البيت الرابع وَحْده أربع مرات. وقد ساد حرف اللام الأبيات، حيث أورده
الصاحـب سبع مرات في البيت الأول، وست مرات في كل من الأبيات الثاني والثالث
والرابع والثامن، وأورده سبع مرات في البيت الخامس، وثلاث مرات في البيت السادس،
وتسعاً في البيت السابع. وما كان هذا التكرار لهذه الحروف على هذا النطاق الواسع
إلاّ لإيجاد الموسيقى الشعريّة المؤثرة التي تطرب الآذان لسماعها.
وهكذا
يتّضح لنا أنّ تكرار الصاحب الحروف في مفرداته الشعريّة لم يكن عبثاً ودونما هدف،
وإنّما جاء لإكساب أشعاره إيقاعاً جميلاً وموسيقى عذبة مؤثرة معبّرة، تصوّر من
خلال انسيابها وتجاوب نغماتها أحاسيس الشاعر وانفعالاته تجاه الموضوعات التي يعبّر
عنها.
ثانياً:
تكرار الكلمات:
يعدّ تكرار الكلمة في
النصّ وتكرار الجملة في السياق ذا أثر عظيم في توفير الجانب الموسيقيّ، ولهذا
التكرار من القيمة السمعيّة ما هو أكبر ممّا هو لتكرار الحرف الواحد في الكلمة أو
في الكلام([90]).
ويُقصد بالتكرار هنا شيئان، هما:
أ-
تكرار الكلمات بالمعنى نفسه.
ب- بعض الفنون البديعية المعتمدة على
التكرار.
أ- تكرار الكلمات بالمعنى
نفسه:
لقد عمد الصاحب من
أجل توفير الموسيقى في شعره إلى تكرار الألفاظ دون تغيير المعنى، وهذا يشمل عدّة
ألوان من التكرار هي:
الأول:
تكرار كلمة أو أكثر من صدر البيت في صدور أبيات متتابعة:
لقد لجأ الصاحب في
بعض أشعاره إلى تكرار كلمة معينة في أول كل بيت لتعطي القصيدة نغمة معينة تزيد في
موسيقاها، ومن ذلك قوله([91]):
وجُمْلُ تَحْدُو بالجَمَلْ
نُ أهْلَها ولم يَمَلْ ـنَ جَهَّزُوا ذات الحُلَلْ عن الديارِ والحِلَلْ([92]) |
سُقياً لسَيْري
مَعَهُمْ
من قَبْلِ أنْ كَدّ الزمَا سُقْياً ورعْياً للذيـ سُقْياً لهُمْ وإنْ جَلَوْا |
فتكرار كلمة "سقياً" زاد في
نغمة هذه الأبيات، وقوّى جرس المفردات فيها، إضافة إلى ما اشتمل عليه من الأثر
الخطابيّ المتمثل في تقوية مشاعر الحنين والتشوّق.
وقد
كرّر الصاحب في بعض أشعاره كلمتين في مطلع كل بيت، ومن ذلك قوله في عليّ كرّم الله
وجهه([93]).
أنتَ الذي أنحى على
الـ
أنتَ الذي يُبرِدُ مِن أنتَ الذي نَحّاهُمُ أنتَ الذي سادَ الورى أنتَ الذي لم يُرَ قَطْ أنتَ الذي ألقى على أنتَ الذي لولاه ما أنتَ الذي يَنْهَلُ من أنتَ الذي يُدعى بِبَحْـ |
يبدو لنا - في هذه الأبيات - ذلك
التناغمُ الموسيقيّ البديع والإيقاع الجميل الذي تطرب الأذن لسماعه، وتلتذُّ به
الأفئدة والنفوس، فقد حقّق الصاحب بتكراره الألفاظ هذا التطريب العجيب، فما تكاد
موسيقى البيت تنتهي وتستقرّ في الأسماع حتى تعود ألحانُها المؤثّرة تتردّد في صدر
البيت اللاحق، وهكذا إلى نهاية الأبيات، ممّا يجعل الأبيات سلسلة من الموجات
الصوتيّة والنغمات الموسيقيّة المتّصلة التي لا تنتهي إلاّ بعد أن تكون قد بلغت من
المستمع مبلغاً عظيماً.
الثاني:
تكرار صدر البيت كاملاً في صدور أبيات متتابعة:
لقد
كرّر الصاحب صدر البيت كاملاً في صدور أبيات متتابعة، وهو لون من ألوان التكرار
النغمي([97])،
ويراد بهذا النوع من التكرار تقوية الجَرْس. ومن ذلك قول الصاحب في عليّ كرّم الله
وجهه([98]).
غَلَبَ الخَضَارِمَ
كُلَّ يومِ غِلابِ([99])
آخى النبيَّ أخُوَّةَ الأنجابِ سَبَقَ الجميع بسُنّةٍ وكتابِ لم يَرْضَ بالأصنامِ والأنْصابِ آتى الزكاةَ وكانَ في المحراب([100])ِ حَكَمَ الغديرُ لهُ على الأصْحابِ قَدْ سَامَ أهْلَ الشركِ سَوْم عذابِ أزرى ببدرٍ كُلَّ أَصْيَدَ آبي([101]) تَرَكَ الضلال مُفلَّلَ الأنيابِ |
لم يعلموا أنَّ
الوصيَّ هو الذي
لم يعلموا أنَّ الوصيَّ هو الذي لم يعلموا أنَّ الوصيَّ هو الذي لم يعلموا أنَّ الوصيَّ هو الذي لم يعلموا أنَّ الوصيَّ هو الذي لم يعلموا أنَّ الوصيَّ هو الذي لم يعلموا أنَّ الوصيَّ هو الذي لم يعلموا أنَّ الوصيَّ هو الذي لم يعلموا أنَّ الوصيَّ هو الذي |
فالتكرار
- في هذه الأبيات - لتقوية النغم، إذ إنّنا نستطيع من حيث المعنى أن نحذف صدور
الأبيات، ونعطف عجز كل بيت على عجز البيت الذي يسبقه، إلاّ أنّ أهمّيّة هذا
التكرار تنبع من قيمته الموسيقيّة المتمثّلة في إيجاد ذلك اللحن الناتج عن تكـرار
صدور الأبيات، وما يُشيعُهُ ذلك في الأبيات من إيقاع أخّاذ وموسيقى عذبة رقيقة.
الثالث:
تكرارُ الكلمة ذات النغمة الخاصة:
وقد يردّد الصاحب
الكلمة ذات النغمة الخاصة في البيت أكثر من مرة، مما يؤدي إلى تكرار جَرْسها
وانضمام بعضه إلى بعض، فتُحدث في النهاية الأثر الموسيقيّ المطلوب، ومن ذلك قوله([102]):
شَمْسَ الضُّحَى
بَدْرَ الدُّجَى
وَكَنِّهِ أبا الرجا |
هُنِّئْتَهُ
هُنِّئْتَهُ
فَسَمِّهِ مُحَسِّناً |
فالصاحب
يكرّر كلمة "هُنِّئْتَهُ"، وقد أوجد هذا التكرار نوعاً من التناغم اللفظي
في صدر البيت الأول، ما لبث أن امتدّ حتى شمل البيت بشطريْه، كما أنّه قوّى جرس
الألفاظ. وممّا زاد في موسيقى الألفاظ تشديد حرف النون، ممّا يوحي بالقوّة،
والتأكيد، وشدّة الوقع، وعِظَم الأثر في النفس، فكأنّما هذا التضعيف للنون ضرباتٌ
قوية مجلجلة ذات أثر قوي في النفس والسمع. وقد جمع الصاحب هنا بين التّكرار والتّشديد،
وهما من التمييزات المتعلّقة بالصوت، وهي التي يمكن أن تُتّخذ أساساً للوزن
والإيقاع، إذ إنّها تسمح بتمييزات كمية في الصوت، فتفاوت التكرار قد يعظم، وقد يقلّ([103]).
الرابع:
إعادة كلمة أو أكثر من عجز البيت:
لجأ الصاحب إلى استعمال
هذا النوع من التكرار، فكثيراً ما عمد إلى كلمة ذات مدلول قويّ واردة في عجز بيت
شعريّ، فكرّرها في صدر البيت اللاحق، ومن ذلك قوله([104]):
يَوْماً بِفَضْلِ
أَكابرٍ زُهْرِ
نَظَروا إليَّ بأَعْيُنٍ خُزْر([105])ِ |
مالي أرى قوماً إذا
سَمِعوا
فَضْلِ النبيِّ وفَضْلِ عِتْرَتِهِ |
فقد كرّر الصاحب كلمة "فَضْل"
الواقعة في عجز البيت الأول كرّرها في صدر البيت الثاني، وهو لا يقصد من هذا
التكرار تقوية الجانب الإنشائي المتمثل في إعجابه بفضل هؤلاء الأكابر، وهم الرسول
الكريم، وآل بيته الكرام، وإنّما عمد إلى تقوية النغم والجرس على سبيل الترنّم،
فهو يؤكد نغم البيت السابق ويصله بنغم البيت اللاحق.
ومن
ذلك قول الصاحب أيضاً([106]):
خَطّ الإنابَةِ
رُمْتُها بتُبتُّلِ
في سَادَةٍ آل النبيِّ المرسَلِ وَرَفُوا الفَخَارَ بِمِقْولٍ وبِمُنْصُل([107])ِ |
حَتَى إذا خَطَّ
المشيبُ بعارضي
وجَعَلتُ تكفيرَ الذٌُّنوبِ مَدائِحي في سادةٍ حَازُوا المفَاخِرَ قَادَةٍ |
يكرّر الصاحب - هنا - قوله في
"سادة" في صدر البيت الثالث، وكان قد ذكره أولاً في عجز البيت الثاني.
ومع أن هذا التكرار جاء لغرض خطابيّ هو تقوية الإعجاب بهؤلاء السادة، والإمعان في
بيان فضائلهم وتوكيدها، إلاّ أنّ له قيمة صوتيّة موسيقيّة حيث إنّه أفاد المعنى
قوّة بتقوية النغم، ووصْل موسيقى البيت الثاني بموسيقى البيت الثالث، فما تكاد
موسيقى البيت الثاني تستقر في سمع السامع حتى يكرّر جزء منها ويُرجّع في البيت
اللاحق، فيكون ذلك الجزء حبل الوصل المتين الذي يشحذ ذهن السامع وسمعه من جديد
لاستقبال نغم جديد هو ترجيع للنغم السابق وامتداد له.
ومن هذا النوع من
التكرار قول الصاحب في عليّ كرّم الله وجهه([108]):
بٍ إنَّهُ بَحْرُ
الفَوائِدْ
ئِدِ والمناصبِ والمراشد([109]) |
رُوحي فداءُ أبي
تُرا
بَحْرُ الفَوائِدِ والعَوَا |
فالصاحب يقوّي النغم ويؤكّده في بيتيه
هذين بتكرار بحر "الفوائد" في بداية صدر البيت الثاني، ومما يزيد في موسيقى البيتين هذا
التجنيس بين "الفوائد" و"العوائد"، ووحدة الوزن فيما بينهما، وكذلك الحال في "المناصب"
و"المراشد".
ب-
بعض فنون البديع المعتمدة على التكرار:
نجد في أشعار الصاحب
بعض أنواع البديع المعتمدة على التكرار، وقد استخدم الصاحب هذه الفنون لإحداث
الأثر الموسيقيّ المطلوب، وذلك يشمل ما يلي:
أولاً:
تشابه الأطراف:
لقد استخدم الصاحب
هذا اللون من البديع القائم على التكرار الذي يتمثّل في إعادة قافية بيت سابق من
القصيدة في صدر بيت لاحق له، وهو الذي يُسمّيه البلاغيون تشابه الأطراف([110])،
وهو يسهم في تقوية النغم أيضاً، إذ إنّه يؤكد نغم القافية ويصله بنغم البيت
التالي"([111]).
وللصاحب بن عبّاد قصيدة يبلغ عدد أبياتها ثلاثة وثلاثين بيتاً جاءت جميعها ما عدا
البيت الأول بطبيعة الحال على تشابه الأطراف، ونحن نورد هنا معظم هذه القصيدة
لبيان ما لتشابه الأطراف من الأهمّيّة النغمية الموسيقيّة، يقول الصاحب([112]):
مَشِيبٌ بِهِ
ثَوْبُ الرّشادِ قَشِيبُ([113])
ويلقى ضروبَ الأنْسِ وهو مريبُ وعَهْدي بِجَنْبِ الجانبين يَطيبُ لِعَاشِقِهِ والزَّوْرُ مِنْهُ عَجِيبُ فُؤاداً سَقيماً أو يكونُ طبيبُ يُنادِيهِ مَنْ يهوى وليسَ يُجيبُ فَقَلْبي لِعَيني بالدماءِ قَلِيبُ([114]) يَفُورُ دماءً والدّماءُ صَبيبُ عَليٌّ وأنَّى للوصِيِّ ضَريبُ([115]) وسَهْمُ الرّدى أنَّى يَشَاءُ يُصيبُ تَرُدُّ ظُنُونَ الموتِ وهي تَخيبُ فَلِلْحَتْفِ عودٌ في الرجالِ صَلِيبُ([116]) وذلك نهجٌ في القراعِ رحيبُ([117]) إذا رَامَهُ غيرُ الوصيِّ يَخِيبُ وأمّا إذا عَضّتْ فذاكَ نَخِيبُ([118]) وكُلُّ أبِيٍّ في القِراعِ خَنيبُ([119]) يُعانِقُ شَخْصَ الموتِ ليس يغيبُ إلى حيْثُ لا يَلْقَى الحبيبُ حبيبُ([120]) لِكُلِّ زَكيِّ الوالِديْنِ نَصِيبُ وذو النّصْبِ مَغْلوبٌ هناك حَرِيبُ([121]) إذا حانَ يَوْمٌ للمعَادِ عَصِيبُ على الشيعَةِ المُسْتَمْسِكينَ رطيبُ فَللنّارِ في تِلْك الجُسُومِ لَهِيبُ |
مَشِيبٌ عَراهُ لوْ
يَدُومُ مَشِيبُ
قَشِيبٌ ولكنْ يخلقُ المرءُ عِندَهُ مُريبٌ إذا ما قيل هَلْ تذكُرُ الظِّبا يَطِيبُ وتَعْدَادٌ كَزَوْرَةِ مُعْجِبٍ عَجيبٌ وقَد حَنَّتْ لِزَوْرتِهِ الدُّجى طبيبٌ ولكنَّ الحبيبَ طَبيبُهُ يُجيبُ إذا أنْحى إجابةَ مُعْرِضٍ قَليبٌ حَكى بَدْراً او كانَ قليبُهُ صَبيبٌ تَحدَّى ذا الفَخَارِ بِخَيْلِهِ ضَريبٌ يُدانيهِ إذا حَمَسَ الوغَى يُصيبُ مِنَ الأبطالِ أرواحَها التي تَخِيبُ فَلَمَّا أنْ تَنَمّرَ حَيْدَرٌ صليبٌ كما أودى بعمرو ومَرْحَبٍ رَحيبٌ على كفِّ الوصيِّ وَضَيِّقٌ يَخِيبُ وما عَضَّتْ على نابِها الرّدى نَخيبٌ وإنْ عَدُّوهُ نخْبَةَ عَسْكرٍ خَنيبٌ سِوَى الطّهْرِ الوصِيِّ فإنَّهُ يَغِيبُ مُناويهِ بِغَرْبِ حُسَامِهِ حَبيبٌ إلى قَلبي التشَيُّعُ إنَّهُ نَصِيبٌ تَهَاداهُ الملائكُ بَيْنَها حَرِيبٌ سَليمٌ للجَحِيم مُهَيَّأٌ عَصِيبٌ على النُّصَّابِ لكنَّ غُصْنَهُ رَطيبٌ وَعُودُ النَّصْبِ إذ ذَاكَ يَابِسٌ |
إنَّ
تشابه الأطراف - في هذه القصيدة - حاصل بين آخر البيت وأول تاليه حيث يكون التكرير
ربطاً محكماً لتوثيق الغرض المقصود بالتعبير"([122]).
وقد جاء تشابه الأطراف هذا متّحد المعنى بين الكلمتين المكرّرتين. وهذا الاتحاد في
المعنى عظيم الأهمّيّة إذ إنّه أعْوَدُ على الغرض بفائدة التقرير وتوثيق الربط بين
أوصال الكلام، فلا يبقى للتكرير مع اختلاف المعنى بالذات إلاّ القيمة السمعية
العائدة على الجَرْس"([123]).
وهذا التكرار
للمفردات على وجه تشابه الأطراف فيه تركيز لمدلول المكرّر وتنويه به، يجذب النفس
ويشدّها إلى المستأنف من أخباره، فقد تحدّث الصاحب في هذه القصيدة عن عدّة أشياء،
منها ثوب الرشاد، ودموع الصاحب، وشجاعة عليّ كرّم الله وجهه، وحبّ الصاحب
للتشيّع... إلخ.
وهذا التكرار يقوّي
نغم القافية في كل بيت سابق، ويصله بنغم البيت التالي، ممّا يغني البيان والإيقاع.
ومما يزيد في خفّة هذا التكرار على السمع ما نجده في ألفاظ الأبيات من اعتماد
الصاحب على حروف المدّ الألف، والواو، والياء مما زاد في تناغم هذه الألفاظ وتجاوب
أصداء موسيقاها خلال الأبيات.
ويذهب
الدكتور عبد الله الطيّب المجذوب إلى أنّ الطريقة التي كان يُلقى بها الشعر كانت لها
صلة وثيقة بهذا النوع من التكرار"([124]).
ونحن نتّفق مع الدكتور المجذوب في قوله هذا، إلاّ أننا نرى أنّ هناك أسباباً أخرى
تحمل الشعراء على الإتيان بهذا النوع من التكرار، فليس كلّ تكرار قائم على تشابه
الأطراف، عائداً إلى طريقة إلقاء الشعر، وإنّما قد يعود ذلك إلى رغبة الشعراء في
إظهار مقدرتهم وبراعتهم في نظم الشعر، ولعلّ الصاحب كان قد عمد إلى استعمل تشابه
الأطراف لإظهار براعته الشعريّة، إذ إنّ هذا النوع من الكلام كما لا يخفى يتطلّب
من الشاعر الدقّة وحضور البديهة، والقدرة على التصرّف باللغة، بحيث يأتي ترديد
الكلمة مناسباً للمعنى السابق والسياق اللاحق. ومن الناحية النغمية الموسيقيّة
يكون هذا التكرار ذا وقع حسن في السّمع، وذا موسيقى متدفّقة، وفي هذا الإطار يقول
غيورغي غاتشف Ghiyurghy
Ghatshif
معتبراً تشابه الأطراف ذا دور كبير في حفز الإبداع لدى الشاعر. ويتجلّى دور التكرار
الذي يحفز الإبداع في ظهور المحسّنات الشعريّة مثل التكرار الاستهلاليّ anaphora، والتكرار الختامي epiphora، والترديد الذي
هو مميّز نمطيّ للأغاني الشعبية، حيث تتكرّر نهايات الأشطر الشعريّة في بدايات
الأسطر التالية"([125]).
فتشابه الأطراف فيه دلالة على قوّة عارضة الشاعر وتصرّفه في الكلام، وإطاعة
الألفاظ له، ولا يخلو مع ذلك من حسن موقع في السمع والطبع، فإنّ معنى الشعر يرتبط
ويتلاحم به، حتى كأنّ معنى البيتين أو الثلاثة معنى واحد([126]).
وهكذا فإنّ المفردات
تتناغم بين آخر البيت وصدْر البيت اللاحق له، حيث إنّ الكلمات تتكوّن من الحروف
نفسها، وتحمل المعنى نفسه، وبذلك فإنّ الموسيقى الناجمة عن تناغم المفردات تحمل
اللحن الذي يريده الصاحب، والذي يصوّر من خلاله انفعالاته المختلفة. ولا عجب،
فالصاحب يعيد القافية، والقافية ظاهرة بالغة التعقيد، فلها وظيفتها الخاصة في
التطريب، كإعادة أو ما يشبه الإعادة للأصوات"([127]).
وقد ازداد هذا التطريب الذي أحدثته القافية في آخر البيت عندما رُدّدتْ في أول
البيت اللاحق، وبالإضافة إلى القيمة الموسيقيّة فإنّ لإعادة القافية في صدر البيت
اللاحق قيمة معنوية، تتمثّل في كونها رابطة دلاليّة توثّق المعنى وتقوّيه.
ثانياً:
ردّ العجز على الصدر([128]):
ومن الفنون البديعيّة
القائمة على التكرار في شعر الصاحب ردّ العجز على الصدر، وقد استخدم الصاحب هذا
الفنّ البديعي لإغناء أشعاره بالموسيقى، ومن ذلك قوله([129]).
والناسُ بين
مُعَوِّذٍ أو عَاشِقِ
حَتَّى تَلَبَّسَ حُلَّةً بِشَقَائِقِ |
قَدْ قُلْتُ لَمَّا
مرَّ يَخْطِرُ ماشِياً
لم يَكْفِ ما صَنَعَتْ شَقَائِقُ خَدِّهِ |
فقد ردّ الصاحب عجز
البيت الثاني على صدره بأن كرّر في عجزه كلمة "شقائق" الواردة في صدره،
ممّا أكسب البيت نوعاً من الموسيقى الشعريّة الداخليّة القائمة بين مفرداته، فربط
بذلك بين موسيقى شطري البيت، إذ إنّ صدى أصوات صدره تردّد مُرجّعاً في عجزه.
ويقول
الصاحب أيضاً([130]):
ومَلْجَئِي([131])
عِنْدَ الوَجَلْ
فَحُبُّهُ خيْرُ العَمَل |
حُبُّ عليٍّ لي
أَمَلْ
إنّ لم يكن لي من عَمَلْ |
نلاحظ
في البيت الثاني أنّ ردّ العجز على الصدر أحدث نوعاً من الموسيقى الداخليّة قوياً
وواضحاً، وذلك لوقوع الكلمتين "عمل" و "العمل" في النهاية،
الأولى في نهاية الصدر، والثانية في نهاية العجز. فعلى الرغم من كوْن كل منهما
نهاية لوحدة لفظية من المفردات إلاّ أنّهما بهذا التكرار قد أسهمتا في تقوية
اللحمة بين الصدر والعجز، وفي زيادة الموسيقى في البيت كاملاً بحيث تترك أثرها
الكبير في الأسماع.
ويقول الصاحب([132]):
سَطْرانِ قَدْ
خُطَّا بلا كاتِبِ
وحُبُّ أهلِ البيت في جانبِ |
لوْ شُقَّ قَلْبِي
يُرى وَسْطَهُ
العَدْلُ والتوحيدُ في جانبٍ |
يحرص
الصاحب - في البيت الثاني - على تسخير طاقاته وبراعته الشعريّة في سبيل توفير عنصر
الموسيقى، ولذا نجده يختتم صدر البيت بكلمة "جانب"، ثم يعود فيختتم بها
عجزه، ولم يكتف الصاحب بذلك، بل أكسب الإيقاع درجة عالية من التنغيم، وذلك بأن
اشتملت كلمة "جانب" على حرف المدّ "الألف"، ممّا أكسب البيت نغمات موسيقيّة
طويلة بعيدة القرار، تمتدّ امتداد الألف في "جانب" و"جانب"
إضافة إلى ما يوحي به المدّ من المعنى المتمثل في تمكّن حبّ أهل البيت من قلب
الصاحب واستقراره فيه.
ويقول
الصاحب أيضاً([133]):
أنتُم عَتَادي
يَومَ لَيْسَ عَتَادُ
وولاكُمُ يَوْمَ القِيَامَةِ زَادُ |
يا سادتي من أهلِ
بيتِ مُحمَّدٍ
كُلٌّ له زادٌ يَدِلُّ بِحَمْلِهِ |
يردّ
الصاحب عجز البيت الثاني على صدره، وذلك بتكراره كلمة "زاد" التي ردّدها في
كل من صدر البيت وعجزه، ولهذا التكرار القائم على ردّ العجز على الصدر دلالة
صوتيّة، لأنّ اللفظة التي ذكرت في الشطر الأول ما يكاد تردّد صداها ينداح حتى
يتردّد مرة أخرى في الشطر الثاني، ومن شأن هذا الترديد أن يهب النص جمالاً
موسيقياً، وهو أشبه بوثاق دقيق أو نغمة موحّدة تربط بين شطري البيت، بحيث يصبح
عجزه وصدره كلاًّ لا ينفصل، ونغماً واحداً "متّصلاً"([134]).
ولهذا التكرار قيمة معنوية، فهو يشير إلى ما لآل البيت الكرام من المنزلة في نفس
الصاحب، فحبّه إيّاهم وولاؤه لهم هما زاده الذي به يتقرّب إلى الله تعالى، ويرجو
ثوابه يوم القيامة.
ثالثاً:
المراجعة([135]):
ومن ألوان البديع
الأخرى التي تعتمد على التكرار المراجعة([136])،
وقد استخدم الصاحب هذا الفن البديعي لتوفير العنصر الموسيقيّ، ومن ذلك قوله([137]).
فَلَكَ البِشَارَةُ
بالنِّعَمْ
ءِ أم الربيعُ أَخُو الكَرَمْ؟ يُغْنَى المقِلُّ عَنِ العَدَمْ ـدِ([138]) إذاً، فقالوا لي نعم |
قالوا رَبيعُكَ قَد
قَدِمْ
قُلتُ الربيعُ أخو الشتَا قالوا الذي بنوالِهِ قُلْتُ الرئيس ابن العميـ |
فقد
استخدم الصاحب - في هذه الأبيات - أسلوب المراجعة، أي السؤال والجواب، وهو معتمد
في ذلك على التكرار، فقد كرّر كلمتي "قالوا" و "قلت"، ممّا
أوجد إيقاعاً موسيقياً جميلاً جعل الأبيات مقطوعة موسيقيّة متلاحمة الأجزاء، وذلك
فيما بين شطري البيت الواحد من جهة، والأبيات المتتالية من جهة أخرى.
وللصاحب قصيدة طويلة عدد أبياتها أربعة
وستّون بيتاً جاءت جميعها معتمدة على أسلوب الحوار "قال"
و"قلت" وجاءت أبياتها إلا تسعة منها معتمدة على المراجعة لوناً من ألوان
التكرار، مما جعل الأبيات تترتّب على موسيقى داخليّة وتناغم داخليّ، فهي ذات أنغام
متناسبة متساوقة، فما يكاد البيت يبدأ بكلمة "قالت" حتّى تنداح
موسيقاها على الصدر الأول جميعه، ثمّ تتبعها كلمة "فقلت" في العجز، وما
يكاد هذا التجاوب ينقضِي حتّى نجده يتكرّر ثانية، وتتجاوب أنغامه في البيت اللاحق،
وهكذا، ممّا يُكسب الأبيات إيقاعاً متجدّداً وتناغماً متجاوباً عبر الأبيات
المتعاقبة. ومن هذه القصيدة قول الصاحب([139]):
فَقُلْتُ: ما ذاك من هّمي ولا شَغَلي
فَقُلْتُ: عذراً وما أخشى من العَذَلِ فَقُلْتُ: ما أنا عن رأيي بذي حِوَلِ فَقُلْتُ: سَمْعاً فإنَّ الرّشْدَ من قِبَلي فَقُلْتُ: كيفَ اجتماعُ الشيْبِ والغَزَلِ فَقُلْتُ: في الشيب إدنَاءٌ مِنَ الأجَلِ فَقُلْتُ: إنِّي شيعيٌ ومعتزلي فَقُلْتُ: كلاّ فإنِّي واحِدُ الجَدَلِ فَقُلْتُ: بالفِكْرِ في الأقوالِ والعِلَلِ فَقُلْتُ: جِدّاً، وإنْ رُمْتِ الدليلَ سَلي فَقُلْتُ: أنْ ليسَ فيها غيرُ مُنْتَقِلِ فَقُلْتُ: لا بُدَّ قولاً غيرَ ذِي مَيَلِ فَقُلْتُ: بيتٌ بلا بانٍ من الخَطَلِ فَقُلْتُ: قَدْ جَلَّ عَنْ شِبْهٍ وعَنْ مَثَلِ |
قالت: أبا القاسم استَخْففتَ بالغَزَلِ
قالت: أريدُ اعتذاراً مِنْكَ تُظْهِرُهُ قالت: أُلحُّ على تكريرِ مَسْألتي قالت: أريد رَشاداً مِنْكَ أتْبَعُهُ قالت: أبِنْهُ فإنِّي جدُّ سامِعَةٍ قالت: وكيف اقتضاك الشيْبُ تَرْكَ هَوَى قالت: فما اختَرْتَ مِنْ دينٍ تَفُوزُ بِهِ قالت: أقلَّدْتَ أم قَدْ دِنْتَ عنْ نَظَرٍ قالت: فكيف عرفْتَ الحقَّ هاتِ بِهِ قالت: فَهَلْ هذه الأجْسامُ مُحْدَثَةٌ قالت: أريدُ دليلاً فيه مختصراً قالت: فَهَلْ صَانِعٌ تدعو إليهِ أجِبْ قالت: فَهَلْ من دليلٍ فيهِ تَذْكُرُهُ قالت: فَهَلْ هو ذو شِبْهٍ وذو مَثَلٍ |
إلى
آخر القصيدة. ولا يخفى على الناظر ما في هذه الأبيات من تناغم داخلي ناجم عن هذا
التكرار الذي يعتمد على المراجعة المتمثلة في الحوار.
رابعاً
الجناس:
ومن
البديع القائم على التكرار أيضاً الجناس، وهو عظيم الفائدة، إذ تتجه مهمته بالدرجة
الأولى إلى التلوين الصوتيّ. ومن بعد الى التلوين المعنوي"([140])،
ويهمنا من هذا الجناس الجناس التامّ([141])
لأنّ فيه ترديداً أو ترجيعاً للكلمة نفسها.
وقد أكثر الصاحب من استعمال
الجناس التام في شعره، وذلك لإيجاد الموسيقى الداخليّة، ومن ذلك قوله([142]):
ولكنْ لا أطيقُ لهُ
مَرَدّا
تَرَدَّى مَنْ بِهِ يَوماً تَردَّى |
أَنَاخَ الشيْبُ
ضَيْفاً لم أُردْهُ
رِداءٌ للرّدى فيه دليلٌ |
فقد
أوجد الصاحب الموسيقى الداخليّة في هذين البيتين، وذلك باستعمال التكرار المتمثّل
في الجناس التامّ بين كلمتي "تردّى" و"تردّى"، حيث أورد الصاحب
الأولى منهما بمعنى هلك، و"ماتَ"، والثانية بمعنى "لبس"، أي
علا الشيبُ رأسَهُ وكَسَاهُ. فأحدث الصاحب بهذا التكرار تناغماً موسيقياً في البيت
الثاني. ولا عجب، فالجناس التامّ هو مستوى آخر من مستويات التّكرار، إذ تكرّر فيه
الكلمة بأكثر من معنى، حتى يصير هذا التكرار إيقاعاً لازماً للإيقاع العامّ، وبهذا
فإن الشاعر يُلزم نفسه بما ليس ملزماً، وإنّما يفعل ذلك زيادة في الجهر بالإيقاع
الداخلي"([143]).
ويقول الصاحب أيضاً([144]):
حَلَفَ الجَفْنُ لا
استَقلَّ بِلَوْمِ
طولَ يَوْمي إنّي سَيَحضُر يَومي |
لا تُرَجِّ إصْلاحَ
قَلْبي بلَوْمِ
وَهَواهُ لَئن تأخّر عَنّي |
يتحدّث الصاحب في
البيت الثاني عن مدى حبّه محبوبه، مبيّناً أنّه لا يستطيع أن ينساه ولا أن يكفّ عن
هواه، وقد بلغ الأمر بالصاحب أن يعلن أنّه سيموت إن تأخّر هوى محبوبه عنه يوماً
واحداً. وهو يبدو حريصاً على أن يوفّر الإيقاع الداخليّ في بيتَيْه، ولذا فقد ألزم
نفسه بما ليس ملزماً، وذلك باستعمال التكرار المتمثّل في الجناس التامّ بين كلمة
"يومي" بمعنى اليوم أي واحد الأيام والثانية بمعنى "يوم
وفاتي". وهذا الجناس ليس زخرفة سمعيّة ولفظيّة عديمة الفائدة، وإنّما هو
زخرفة ذات فائدة نغميّة موسيقيّة، وفائدة معنويّة، ولا عجب، فإنّ الكلمة المتجانسة
مع أختها لفظاً والمختلفة في المعنى هي "غموض" مقصود"([145]).
وقد عبّر الدكتور
صالح أبو إصبع عن أهمّيّة التكرار الموسيقيّة بقوله متحدّثاً عن التكرار فهو ظاهرة
موسيقيّة حالما يصبح تكرار الكلمة أو البيت أو المقطع أشبه باللازمة الموسيقيّة أو
النغم الأساسيّ الذي يعاد ليخلق جوّاً نغميّاً متّسقاً"([146]).
الخاتمة
يتبيّن لنا من خلال
هذا البحث أنّ التكراركان ظاهرة واضحة في شعر الصاحب ابن عبّاد، وأنّه ذو صلة
وثيقة بالموسيقى الشعريّة التي بيّنا مفهومها وأهميتها وأقسامها، فهو يُعدّ أحد
المنابع الأساسيّة للموسيقى الداخليّة، وهو قسمان، هما تكرار الحروف،
وتكرارالكلمات.
أمّا تكرار الحروف،
فقد تعدّدت مظاهره في أشعار الصاحب بن عبّاد، فكان منها إيراد الرباعيّ الذي جاء
من الثنائيّ المكرّر، وتكرار الحروف الدالّة على القوّة والشدّة، وتكرار حروف
المدّ الألف، والواو، والياء وحروف الزيادة المجموعة في قولنا من "سألته". وقد كان لهذه
الألوان من التكرار أهمّيّة موسيقيّة كبيرة، فتكرار الحروف يزيد في النغمة
الموسيقيّة للمفردات، مما يزيد في ربْط الأداء بالمضمون الشعريّ، إضافة إلى ما
ينبعث عنه من الأنغام المتساوقة المتجاوبة المنسابة، والأنغام الموسيقيّة المجلجلة
الصاخبة، وذلك تبعاً لنوع الحروف المكرّرة، وما ينتج عن حروف المدّ بصورة خاصّة من
الموسيقى اللفظيّة نتيجة لسعة إمكانات هذه الحروف الطويلة.
وأمّا تكرار الكلمات،
فقد رأينا أنّه كان أعظم أثراً في توفير الموسيقى الشعريّة من تكرار الحروف، وهو
أنواع، هي إعادة كلمة من عجز البيت الشعريّ السابق في صدر البيت اللاحق، وإعادة
قافية البيت السابق في صدر البيت اللاحق، وهو ما يُعرف باسم "تشابه الأطراف"، وتكرار صدور
الأبيات في أبيات عدّة متتابعة، وتكرار كلمة ذات نغمة خاصّة في أبيات متتالية، وقد
كان لهذه الأنواع من التكرار أثر عظيم في توفير الموسيقى الشعريّة الداخليّة، ومن
ذلك تقوية نغم البيت السابق وربطه بموسيقى البيت اللاحق، وتقوية الجرس، وإكساب
الأشعار أنغاماً تزيد في موسيقى الألفاظ.
وأختتمنا بحثنا هذا
بالحديث عن بعض فنون البديع التي تعتمد على تكرار المفردات، وتعدّ من منابع
الموسيقى الداخليّة، وهي ردّ العجز على الصدر، والمراجعة، والجناس التامّ، موضحين
الأهمّيّة الموسيقيّة لهذه الألوان من التكرار، ومن ذلك ترجيع صدى المفردات
الواردة في صدر البيت بتكرارها في العجز، مما يزيد في اللحمة والاتصال بين شطري
البيت الواحد، وكذلك بين الأبيات المتلاحقة، مما يجعل القصيدة وحدة موسيقيّة
متكاملة.
وهكذا فإنَّ التكرار في شعر الصاحب ليس
للزينة، وليس من نافلة القول الذي يمكن الاستغناء عنه لعدم فائدته، وإنّما هو ذو
فائدة موسيقيّة لا تتحقّق إلا به، إضافة إلى الفائدة المعنويّة التي تتحقّق عن
طريق الأنغام وأصوات الحروف.
الهوامش
([1])
أبو القاسم اسماعيل بن عبّاد بن العباس بن أحمد الطالقاني، ولد سنة326هـ، كان
عالماً أديباً كريماً، وله مُلح ونوادر كثيرة، وأقوال بليغة، وكان كاتباً مشهوراً
وشاعراً شيعياً معتزليّاً، وله ديوان شعر، وتوفي سنة 385هـ. انظر الكامل في
التاريخ، ج1، ص110، ولسان الميزان ج1، ص414، ويتيمة الدهر، ج3، ص225-337.
([36]) مقالات في الشعر ونقده، ص19، وانظر شعر
البحتريّ دراسة فنّيّة، ص246، والتكرير بين المثير والتأثير، ص215، 239.
ورَدُّ العجز على الصدر هو أن يكون أحد
اللفظين المكرّرين في آخر البيت، والآخر في صدر المصراع الأوّل، أو حَشْوه، أو
آخره، أو صدر الثاني".
الإيضاح في علوم البلاغة، ص220.
([80])
الحافظ جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطيّ الشافعي المسند
المحقق المدقّق، ولِدَ سنة 849هـ، وتوفي والده وله من العمر خمس سنوات وسبعة أشهر،
وقد برع في كثير من العلوم، ومنها العربيّة، والفقه، وكان أبرع أهل زمانه في
الحديث. وكان له أكثر من خمسمئة مؤَلّف، وتوفي سنة 911هـ، ودفن خارج باب القرافة.
انظر شذرات الذهب، ج8، ص51-55.
ثبت
المصادر والمراجع
1.أبو فراس الحمدانيّ الموقف والتشكيل
الجماليّ، القاضي، النعمان، دار الثقافة للنشر والتوزيع، ودار التوفيق النموذجيّة
للطباعة والجمع الآلي، الأزهر، 1981م.
2.اتجاهات الشعر الأندلسيّ إلى نهاية
القرن الثالث الهجريّ، محمود، نافع، ط1، دار الشؤون الثقافيّة العامة، بغداد،
أعظمية، العراق. د. ت.
3.الإرشاد، المفيد، الشيخ، محمد بن محمد
بن النعمان (413هـ/1022م)، المطبعة الحيدرية، النجف، 1392هـ/1972م.
4.الأسس النفسيّة للإبداع الفنّي في الشعر
خاصّة، سويف، مصطفى، ط4، دار المعارف، القاهرة، 1969م.
5.الأفكار والأسلوب، دراسة في الفنّ
الروائي ولغته. تشيتشرين. أ. ف، ترجمة حياة شرارة، دار الشؤون الثقافيّة العامّة،
بغداد، أعظميّة، العراق. د.ت.
6.أنوار الربيع في أنواع البديع، ابن
معصوم المدني، علي صدر الدين (1120هـ/1708م)، حقّقه وترجم لشعرائه شاكر هادي شكر،
ط1، مطبعة النعمان، النجف الأشرف، 1389هـ1969م.
7.الإيضاح في علوم البلاغة، المعاني
والبيان والبديع، القزوينيّ، الخطيب، أبو عبدالله، محمد بن سعد الدين
(739هـ/1338م)، دار الجيل، بيروت، لبنان، د. ت.
8.بناء القصيدة في النقد العربيّ القديم
في ضوء النقد الحديث. بكّار، يوسف حسين، ط2، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع،
بيروت، لبنان، 1982م.
9.تاريخ الطبري، أبو جعفر، محمد بن جرير
(310هـ/922م)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار سويدان، بيروت، لبنان، د. ت.
10.التجربة الإبداعية في ضوء النقد الحديث
دراسات وقضايا، عبد الدايم، صابر، ط1، مكتبة الخانجي بمصر، 1409هـ/1990م.
11.تحليل الخطاب الشعريّ (استراتيجيّة
التناصّ)، مفتاح، محمد، ط3، المركز الثقافيّ العربيّ، الدار البيضاء، بيروت،
1992م.
12.تذكرة الخواصّ، سبط ابن الجوزي، يوسف بن
فرغلي بن عبد الله (654هـ/1256م)، المطبعة الحيدريّة ومكتبتها، النجف الأشرف، 1383هـ/1964م.
13.التركيب اللغويّ لشعر السيّاب، عطيّة،
خليل إبراهيم، دار الحرّيّة للطباعة، بغداد، 1406هـ/1986م.
14.التصوير الفنّيّ للحياة الاجتماعية في
الشعر الأندلسيّ، النَوش، حسن أحمد، ط1، دار الجيل، بيروت، 1412هـ/1992م.
15.التكرير بين المثير والتأثير، السيّد،
عزّ الدين علي، ط1، دار الطباعة المحمّديّة بالأزهر، القاهرة، 1398هـ/1978م.
16.حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر،
بك، كمال خير، ترجمة لجنة من أصدقاء المؤلّف، ط2، دار الفكر للطباعة والنشر
والتوزيع، بيروت، لبنان، 1406هـ/1986م.
17.الحركة الشعريّة في زمن المماليك في حلب
الشهباء، الهيّب، أحمد فوزي، ط1، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1406هـ/1986م.
18.ديوان الصاحـب بـن عبّاد، الصاحب بن
عبّاد، أبو القاسم، إسماعيل بن عبّاد بن العبّاس، (385هـ/995م). تحقيق الشيخ محمد
حسن آل ياسين، ط2، مكتبة النهضة، بيروت، لبنان، دار القلم، بيروت، لبنان، 1394هـ/1974م.
19.سرّ الفصاحة، ابن سنان الخفاجي، محمد بن
عبد الله بن محمد، (466هـ/1073م)، صحّحه وعلّق عليه عبد المتعال الصعيديّ، مكتبة
ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده بميدان الأزهر بمصر، 1372هـ -1952م.
20.شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ابن
العماد الحنبليّ، أبو الفلاح، عبد الحي (1089هـ/1678م) تحقيق لجنة إحياء التراث
العربيّ في دار الآفاق الجديدة، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت. د. ت.
21.شرح الملوكيّ في التصريف، ابن يعيش،
موفّق الدين، أبو البقاء، علي بن يعيش بن أبي السرايا (643هـ/1245م) تحقيق فخر
الدين قباوة، ط1، المكتبة العربيّة، حلب، 1393هـ/1973م.
22.شعر البحتريّ دراسة فنّيّة، الوقيّان،
خليفة، ط، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، بيروت. د.ت.
23.شعر عبد القادر رشيد الناصريّ، جعفر،
عبد الكريم راضي، ط، دار الشؤون الثقافيّة العامة، بغداد، 1989م.
24.الشعر العربيّ قبل الإسلام بين الانتماء
القبلي والحسّ القوميّ، الراوي، مصعب حسّون، ط1، دار الشؤون الثقافية العامّة،
بغداد، 1989م.
25.الشعر العربيّ المعاصر قضاياه وظواهره
الفنّيّة والمعنويّة، إسماعيل، عزّ الدين، ط3، دار الفكر العربي، القاهرة، 1966م.
26.الشعر كيف نفهمه ونتذوّقه، درو،
إليزابيث، ترجمة محمد ابراهيم الشوش، مكتبة منيمنة، بيروت، بالاشتراك مع مؤسّسة
فرنكلين المساهمة للطباعة والنشر، بيروت نيويورك، 1961م.
27.الصورة الفنّيّة في شعر أبي تمّام،
الربّاعي، عبد القادر، نُشر بدعم من جامعة اليرموك، إربد، الأردن، 1980م.
28.الصورة في شعر بشّار بن بُرد، نافع، عبد
الفتّاح صالح، دار الفكر للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 1983م.
29.الظواهر الفنّيّة في قصيدة الحرب، عائد
خصباك، ط1، دار الشؤون الثقافية العامّة، بغداد، أعظميّة، العراق، 1991م.
30.عُضويّة الموسيقى في النصّ الشعريّ،
نافع، عبد الفتّاح صالح، ط1، مكتبة المنار، الزرقاء، الأردن، 1405هـ/1985م.
31.العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده،
ابن رشيق القيرواني، أبو علي، الحسن بن رشيق (456هـ/1064م)، تحقيق محمد محي الدين
عبد الحميد، ط3، مطبعة السعادة بمصر، 1383هـ/1964م.
32.عيار الشعر، ابن طباطبا العلويّ، محمد
بن أحمد بن محمد (322هـ/934م)، شرح وتحقيق عبّاس عبد الساتر، مراجعة نعيم زرزور،
ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1402هـ/1982م.
33.فقه اللغة وخصائص العربيّة، المبارك،
محمد، ط7، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1401هـ/1981م.
34.فنّ الكتابة والتعبير، أبو حمدة، محمد
علي، ط2، مكتبة الأقصى، عمان، الأردن، 1408هـ/1987م.
35.الفنّ ومذاهبه في الشعر العربيّ، ضيف،
شوقي، ط 11، دار المعارف، القاهرة، د. ت.
36.في الأصوات اللغويّة دراسة في أصوات
المدّ العربيّة، المطّلبي، غالب فاضل، دار الحرّية للطباعة، منشورات وزارة الثقافة
والإعلام، دائرة الشؤون الثقافية والنشر، بغداد، الجمهورية العراقية، 1984م.
37.في النقد الأدبي، ضيف، شوقي، ط3، دار
المعارف بمصر، القاهرة، د. ت.
38.القاموس المحيط، الفيروز ابادي، مجد
الدين، محمد بن يعقوب (817هـ/1414م)، ط، المؤسّسة العربية للطباعة والنشر، بيروت،
لبنان، د. ت.
39.القصيدة العربيّة بين التطوّر والتجديد،
خفاجي، محمد عبد المنعم، ط1، دار الجيل، بيروت، 1414هـ/1993م.
40.قضايا الشعر في النقد العربيّ، محمد،
ابراهيم عبد الرحمن، ط2، دار العودة، بيروت، 1981م.
41.قضايا النقد الأدبيّ بين القديم
والحديث، العشماوي، محمد زكي، دار النهضة العربيّة، بيروت، لبنان، 1404هـ/1984م.
42.قواعد النقد الأدبي، أبر كرومبي، لاسل،
نقله إلى العربيّة محمد عوض محمد، ط2، دار الشؤون الثقافيّة العامّة، وزارة
الثقافة والإعلام، بغداد أعظمية، العراق، 1986م.
43.الكامل في التاريخ، ابن الأثير، أبو
الحسن، علي بن محمد بن محمد (630هـ/1232م)، مكتبة القدسي، دار صادر، بيروت،
1402هـ/1982م.
44.لسان العرب، ابن منظور، أبو الفضل جمال
الدين، محمد بن مكرم (711هـ/1311م)، دار صادر، بيروت.
45.لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني، أبو
الفضل، أحمد بن علي (852هـ/1448م)، ط، مطبعة لجنة دائرة المعارف النظاميّة الكائنة
في الهند بمحروسة حيدر اباد الدكن، 1331هـ.
46.محمد مهدي البصير شاعراً، حسن، منعم
حميد، دار الرشيد للنشر، الجمهورية العراقية، 1980م.
47.مدخل إلى تحليل النصّ الأدبيّ، أبو
شريفة، عبد القادر، وقزق، حسين لافي، ط1، دار الفكر للنشر والتوزيع، عَمّان،
الأردن، 1989م.
48.مذاهب الأدب الغربي ومظاهرها في الأدب
العربيّ الحديث، الحمدانيّ، سالم أحمد، مطبعة التعليم العالي، الموصل،
1409هـ/1989م.
49.المرشد إلى فهم أشعار العرب، المجذوب،
عبد الله الطيّب، ط1، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبيّ وأولاده بمصر،
1374هـ/1955م.
50.معترك الأقران في إعجاز القرآن،
السيوطي، جلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بكر (911هـ/1505م)، تحقيق علي محمد
البجاوي، دار الفكر العربي. د.ت.
51.معجم الأدباء، ياقوت الحموي، أبو عبد
الله، ياقوت عبد الله الرومي (626هـ/1229م)، تحقيق إحسان عبّاس، ط1، دار الغرب
الإسلاميّ، بيروت، لبنان، 1993م.
52.مقالات في الشعر ونقده، الرّباعيّ، عبد
القادر، ط1، مكتبة عمّان، عمان، الأردن، 1406هـ/1986م.
53.موسيقى الشعر، أنيس، إبراهيم، ط4، دار
القلم للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1972م.
54.النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة،
ابن تغري بردي، جمال الدين، أبو المحاسن يوسف (874هـ/1469م)، مطبعة دار الكتب
المصرية، القاهرة، 1348هـ/1929م.
55.نظريّة الأدب، ويليك، رينيه، ووارين،
أوستن، ترجمة محيي الدين صبحي، مراجعة حسام الخطيب، ط3، المؤسّسة العربيّة
للدراسات والنشر، بيروت، 1987م.
56.نفحات الأزهار على نسمات الأسحار في مدح
النبي المختار، النابلسي، عبد الغني بن إسماعيل، مطبعة نهج الصواب، دمشق، 1299هـ.
57.نهاية الأرب في فنون الأدب، النويري،
أحمد بن عبد الله (733هـ/1332م)، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية، المؤسسة
المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر. د.ت.
58.وصف الطبيعة في الشعر الأمويّ، العالم،
إسماعيل أحمد شحادة، ط1، مؤسسة الرسالة للطبع والنشر والتوزيع، بيروت، دار عمّار،
1407هـ/1987م.
59.الوعي والفن، غاتشف، غيورغي، ترجمة نوفل
نيّوف، مطابع السياسة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1990م.
60.وفيات الأعيان وأنبـاء أبناء الزمان،
ابن خلكان، أبو العباس، أحمد بن محمد (681هـ/1282م)، تحقيق إحسان عبّاس، دار
الثقافة، بيروت، لبنان، د. ت.
61.يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر،
الثعالبي، أبو منصور، عبد الملك بن إسماعيل النيسابوري (429هـ/1038م)، شرح وتحقيق
مفيد محمد قميحة، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1403هـ/1983م.
الدوريّات
62.مجلة الثقافة العربيّة، 1398هـ/1987م،
المجلد، العدد3.
63.مجلّة فصول،
م1918، المجلد1، العدد4.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire